Wednesday, August 8, 2007

الإسراء والمعراج.. قيادة جديدة للعالم


نحن الآن في شهر رجب ، شهر الله الحرام، فهو أحد الأشهر الأربعة الحرم، التي عظمها الله ، فحرم فيها القتال، وضاعف فيها الأجر، لذلك فالطاعات فيها لابد أن تتضاعف ومنها الصيام.
وفي هذا الشهر يتذكر المسلمون حدثا جللا هو الاسراء و المعراج. والإسراء هو الرحلة الأرضية من مكة إلى القدس.. من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى.. رحلة أرضية ليلية. والمعراج رحلة من الأرض إلى السماء، إلى مستوى لم يصل إليه بشر من قبل، إلى سدرة المنتهى، إلى حيث يعلم الله عز وجل..
هذه الرحلة كانت محطة مهمة في حياته (صلى الله عليه وسلم) وفي مسيرة دعوته في مكة، بعد أن قاسى ما قاسى وعانى ما عانى من قريش، ثم قال: لعلي أجد أرضًا أخصب من هذه الأرض عند ثقيف، عند أهل الطائف، فوجد منهم ما لا تُحمد عقباه، ردوه أسوأ رد، سلطوا عليه عبيدهم وسفهاءهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى أدموا قدميه (صلى الله عليه وسلم)، ومولاه زيد بن حارثة يدافع عنه ويحاول أن يتلقى عنه هذه الحجارة حتى شج عدة شجاج في رأسه. خرج عليه الصلاة والسلام دامي القدمين من الطائف ولكن الذي آلمه ليس الحجارة التي جرحت رجليه ولكن الكلام الذي جرح قلبه؛ ولهذا ناجى ربه هذه المناجاةالرقيقة:" اللهم اليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس،يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، الى من تكلني؟ الى بعيد يتجهمني؟ أم الى عدو ملكته أمري؟ ان لم يكن بك غضب علي فلا أبالي". لم يبال بغضب الناس اذا كان الله تعالى قد رضي عنه. وبعث الله إليه ملك الجبال يقول: إن شئت أطبق عليهم الأخشبين(الجبلين)، ولكنه (صلى الله عليه وسلم) أبى ذلك، وقال: إني لأرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون..
لماذا الإسراء والمعراج؟
تسرية وتسلية و تعويضاً وتكريما
ثم هيأ الله تعالى لرسوله هذه الرحلة، الإسراء والمعراج، ليكون ذلك تسرية وتسلية له عما قاسى، ليعلمه الله عز وجل أنه إذا كان قد أعرض عنك أهل الأرض فقد أقبل عليك أهل السماء، إذا كان هؤلاء الناس قد صدّوك فإن الله يرحب بك وإن الأنبياء يقتدون بك، ويتخذونك إماماً لهم، كان هذا تعويضاً وتكريماً للرسول (صلى الله عليه وسلم) منه عز وجل.
إعداداً لما بعد الهجرة
كما كان تهيئة له للمرحلة القادمة، فإنه بعد سنوات قيل إنها ثلاث سنوات وقيل ثمانية عشر شهراً كانت الهجرة (فلا يعلم بالضبط الوقت الذي أسري فيه برسول الله صلى الله عليه وسلم، لا الليلة ولا الشهر ولا السنة ولم يهتم الصحابة بضبط وقته لأنه لايترتب على ذلك عمل لذلك لم يشرع في الاسراء والمعراج صيام نهار ولا قيام ليل) ً،فكان الإسراء والمعراج إعداداً لما بعد الهجرة، ما بعد الهجرة حياة جهاد ونضال مسلح، سيواجه (صلى الله عليه وسلم) العرب جميعاً، سيرميه العرب عن قوس واحدة، ستقف الجبهات المتعددة ضد دعوته العالمية، الجبهة الوثنية في جزيرة العرب، والجبهة الوثنية المجوسية من عباد النار والجبهة اليهودية المحرفة لما أنزل الله ، والجبهة النصرانية التي حرفت الإنجيل ، والتي تتمثل في دولة الروم.
كان لا بد أن يتهيأ (صلى الله عليه وسلم) لهذه المرحلة المقبلة ومواجهة كل هذه الجبهات، بهذا العدد القليل وهذه العدة الضئيلة، فأراد الله أن يريه من آياته.. قال الله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا} كما قال تعالى في سورة النجم: {لقد رأى من آيات ربه الكبرى}.
أراد الله أن يريه من هذه الآيات حتى يقوى قلبه ، وتشتد إرادته في مواجهة الكفر ، هكذا فعل الله تعالى مع موسى عليه السلام، حينما أراد أن يبعثه إلى فرعون، أراه من آياته ليقوى قلبه، فلا يخاف فرعون ولا يتزلزل أمامه {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى* قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى* فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى* قَالَ خُذْهَا وَلاَ تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى* وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى* لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى}، هذا هو السر، لنريك من آياتنا الكبرى، فإذا علمت أنك تركن إلى ركن ركين ؛ فلا تخاف عدواً..
الصلاة.. معراج
كان الإسراء والمعراج كذلك لشيء آخرهام في حياة المسلمين، هو فرض الصلاة. عادة الدول أن تستدعي سفراءها حينما يكون هناك أمر مهم، لا تكتفي بأن ترسل إليهم رسالة إنما تستدعيهم، وهكذا أراد الله سبحانه وتعالى أن يستدعي سفيره إلى الخلق، محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى سدرة المنتهى، ليفرض عليه الصلاة، إيذاناً بأهمية هذه الفريضة في حياة المجتمع المسلم، هذه الفريضة التي تجعل المرء على موعد مع ربه أبداً. الفرائض كلها فرضت في الأرض، ولكن الصلاة فرضت في السماء لعظم مكانتها عند الله.
إذا كان النبي (صلى الله عليه وسلم) قد عرج به إلى السموات العلا، فلديك يا أخي المسلم معراج روحي تستطيع أن ترقى به الى الله كل يوم، تنتزع نفسك من دنيا الناس الى حيث تقف بين يدي ربك تناجيه في الصلاة التي يقول الله تبارك وتعالى فيها في الحديث القدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي قسمين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال عبدي: الحمد لله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي، فإذا قال الرحمن الرحيم، قال تعالى أثنى علي عبدي، فإذا قال مالك يوم الدين قال الله تعالى مجّدني عبدي، فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين، قال الله تعالى هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر الفاتحة، قال الله تعالى هذا لعبدي ولعبدي ما سأل".. المسلم وهو يصلي يستطيع أن يرتقي حتى يكاد يسمع هذه الكلمات من الله تبارك وتعالى، الصلاة هي معراج المسلم إلى الله تبارك وتعالى.
قيادة جديدة
ثم لا بد أن ننظر لماذا كان هذا الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، لماذا لم يعرج برسول الله (صلى الله عليه وسلم) مباشرة من المسجد الحرام إلى السموات العلا؟ هذا يدلنا على أن المرور ببيت المقدس ، والصلاة بالأنبياء فيه كان مقصوداً.
هذا له معناه ودلالته: أن القيادة قد انتقلت إلى أمة جديدة وإلى نبوة جديدة، إلى نبوة عالمية ليست كالنبوات السابقة التي أرسل فيها كل نبي لقومه، هذه نبوة عامة خالدة لكل الناس، رحمة للعالمين، ولجميع الأقاليم ولسائر الأزمان، فهي الرسالة الدائمة إلى يوم القيامة عموم هذه الرسالة وخلودها كان أمراً لا بد منه، وهذه الصلاة بالأنبياء تدل على هذا الأمر، والذهاب إلى المسجد الأقصى، وإلى أرض النبوات القديمة، التي كان فيها إبراهيم، وإسحاق وموسى وعيسى إيذان بانتقال القيادة.. القيادة انتقلت إلى الأمة الجديدة وإلى الرسالة العالمية الخالدة الجديدة..
مصير واحد
ثم أراد الله تبارك وتعالى أن يربط بين المسجدين، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أراد الله عز وجل أن يرتبط في وجدان المسلم هذان المسجدان حتى لا يفرطوا في أحد المسجدين، من فرط في المسجد الأقصى أوشك أن يفرط في المسجد الحرام، المسجد الذي ارتبط بالإسراء والمعراج، والذي صلى إليه المسلمون مدة طويلة من الزمن، كان بيت المقدس قبلتهم، ثلاث سنين في مكة وستة عشر شهراً في المدينة، كان قبلة المسلمين الأولى، وهو المسجد الذي لا تشد الرحال إلا إليه مع المسجد الحرام والمسجد النبوي، وبهذا كانت القدس هي المدينة الثالثة المعظمة في الإسلام بعد مكة والمدينة. هكذا ينبغي أن يعي المسلمون أهمية القدس والمسجد الأقصى في دينهم وعقيدتهم، ومن أجل هذا حرص المسلمون طوال التاريخ أن يظل هذا المسجد بأيديهم. وحينما احتل الصليبيون المسجد الأقصى وأقاموا لهم ممالك وإمارات، هيأ الله من أبناء الإسلام، ومن قادة المسلمين من نذروا حياتهم لتحرير هذا المسجد، وكان هؤلاء القادة من غير العرب، بدأ ذلك بعماد الدين زنكي القائد العظيم، وبابنه الشهيد نور الدين محمود، الذي يلقب بالشهيد مع أنه لم يستشهد، ولكنه عاش حياته تائقاً للشهادة في سبيل الله، وكان يشبه بالخلفاء الراشدين بعدله وزهده وحسن سياسته، وتلميذ نور الدين محمود صلاح الدين الأيوبي البطل الكردي الذي حقق الله على يديه النصر، في معركة حطّين ومعركة فتح بيت المقدس.. فتح بيت المقدس ولم يرق فيها من الدماء إلا بقدر الضرورة، بينما حينما دخلها الصليبيون غاص الناس في الدماء إلى الركب، قتلت الآلاف وعشرات الآلاف، ولكن هذا هو الإسلام.
المسجد الأقصى ملك لجميع المسلمين
كل مسلم عليه واجب نحو هذا المسجد الأمر لا يتعلق بالفلسطينيين وحدهم، كل المسلمين مسؤولون عن القدس وعن المسجد الأقصى، الفلسطينيون لو أنهم تقاعسوا وتخاذلوا وسلموا المسجد الأقصى، لوجب علينا أن نقاتلهم كما نقاتل اليهود، دفاعاً عن حرماتنا وعن مقدساتنا، وعن قدسنا وعن مسجدنا الأقصى، المسجد الأقصى ليس ملكاً للفلسطينيين حتى يقول بعض الناس هل أنتم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين؟ نعم فلسطينيون أكثر من الفلسطينيين، وقدسيون أكثر من القدسيين ، هذا مسجدنا، هذه حرماتنا، هذه كرامة أمتنا، هذه عقيدتنا.
وقد أراد الله تعالى أن يربط هذا المسجد بهذه الذكرى لنظل في كل عام كلما جاءت ذكرى الإسراء في أواخر رجب ويحتفل بها المسلمون في كل مكان ذكرتنا بهذا الأمر الجلل، هذه القضية الخطيرة، هذه القضية المقدسة..
لا يمكن أيها الإخوة أن نفرط فيها، إذا كان اليهود قد حلموا بإقامة دولة واستطاعوا أن يحققوا حلمهم، فعلينا أن نحلم نحن بأننا لا يمكن أن نفرط في مسجدنا حتى وإن رأينا الواقع المر يستسلم هذا الاستسلام، وينهزم هذا الانهزام، لا يجوز لنا أن نسير في ركابه منهزمين. لقد رأى الرسول في رحلة الإسراء سبعين ألف ملك يدخلون البيت المعمور كل يوم ثم لايعودون اليه الى يوم القيامة. فإذا كان لله جنودالسماوات والأرض فلماذا فرض علينا الجهاد؟ لأنه سبحانه لايريدأن يتنزل نصره على تنابلة كسالى يبخلون على الله بأنفسهم وإنما يحب الله أن تبذل النفوس والأموال من أجله.
يجب أن نعتقد أن الله تبارك وتعالى معنا وأن الله ناصرنا وأنه مظهر دينه على الدين كله، وأنه ناصر الفئة المؤمنة، وكما روى الإمام أحمد والطبراني، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك، قالوا يا رسول الله وأين هم؟ قال ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس". لابد من يوم تقع فيه المعركة مع اليهود، يكون فيها النصر المؤزر للاسلام، هذا ما جاء في الصحيح عن النبي:" لاتقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أوالشجر: يا مسلم، ياعبدالله، هذا يهودي خلفي، فتعال فاقتله، الا الغرقد فإنه من شجراليهود". وإنا لهذا اليوم منتظرون، وما ذلك على الله بعزيز...... و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصر من يشاء، وهو العزيز الرحيم، وعدالله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لايعلمون

No comments: